المشتريات الصينية تقفز بسعر الذهب إلى مستويات قياسية

المشتريات الصينية تقفز بسعر الذهب إلى مستويات قياسية

05 مايو 2024
تزايد إقبال الصينيين على الاستثمار في الذهب/ 2 مايو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- سعر الذهب العالمي ارتفع قياسياً، مدفوعاً بزيادة الطلب من المستثمرين والمستهلكين الصينيين، مع تجاوز سعر الأوقية 2400 دولار، نتيجة تحول الصينيين من الاستثمار في العقارات والأسهم المتعثرة إلى شراء الذهب.
- الصين زادت من احتياطياتها الذهبية وقللت من حيازات الديون الأميركية، في سعيها لتنويع احتياطياتها النقدية وتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي، خاصة في ظل الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية.
- الطلب الصيني المتزايد على الذهب استمر في دفع أسعاره للارتفاع، على الرغم من العوامل التي قد تقلل من جاذبيته كاستثمار، مثل ارتفاع الفائدة الأميركية وقوة الدولار، مع توجه البنك المركزي الصيني لشراء الذهب لحماية احتياطياته.

وصل سعر الذهب العالمي إلى أعلى مستوياته على الإطلاق خلال الأسابيع الأخيرة، مدفوعاً بمشتريات المستثمرين والمستهلكين الصينيين، الذين تجنبوا على ما يبدو الاستثمار في سوقي العقارات والأسهم المتعثرتين في الدولة الأكثر تعداداً للسكان في العالم، وفقاً لما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية. ومع ارتفاع سعره هذا العام إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، أصيب ملايين الصينيين بحمى شراء المعدن، حتى أن غير القادرين منهم اتجهوا لإجراء عمليات شراء شهرية لحبوب الذهب، وهي فتات منه تشبه الحصى.

الذهب استثماراً

وغالبًا ما يُعتبر المعدن النفيس استثمارًا آمنًا في أوقات الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية التي تشبه الأيام الحالية، وقد ارتفعت أسعاره ردًا على الغزو الروسي لأوكرانيا والحرب في غزة. لكن ارتفاعه إلى مستويات أعلى من 2400 دولار للأوقية أثبت أنه أكثر صلابة، واستمر لفترة أطول، بسبب الصين. واندفع المستهلكون الصينيون إلى الاستثمار بالذهب مع تراجع ثقتهم في الاستثمارات التقليدية مثل العقارات أو الأسهم. وفي الوقت نفسه، أضاف بنك الشعب (البنك المركزي الصيني) بشكل مطرد إلى احتياطياته منه، بينما قلص ممتلكاته من الديون الأميركية. 

وكانت الصين منذ فترة تتمتع بنفوذ كبير في أسواق الذهب، ولكن تأثير البلاد أصبح أكثر وضوحًا خلال موجة الارتفاعات الأخيرة، التي شهدت ارتفاعاً بنسبة 50% تقريبًا في السعر العالمي منذ أواخر عام 2022. وواصلت الصين الوصول إلى آفاق جديدة على الرغم من العوامل التي تجعل الذهب استثمارًا أقل جاذبية، بسبب ارتفاع الفائدة الأميركية، ومن ثم قوة الدولار أمام أغلب عملات العالم.

والشهر الماضي، ارتفعت أسعار الذهب حتى بعد أن أشار بنك الاحتياط الفيدرالي إلى أنه سيبقي على أسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول، واستمرت في ارتفاعها حتى مع ارتفاع الدولار مقابل كل العملات الرئيسية تقريبًا هذا العام. ورغم تراجع الأسعار إلى حوالي 2300 دولار للأوقية، ما زال هناك شعور متزايد بأن سوق الذهب لم يعد محكومًا بالعوامل الاقتصادية، بل بأهواء المشترين والمستثمرين الصينيين. وقال روس نورمان، الرئيس التنفيذي لموقع MetalsDaily.com لجريدة نيويورك تايمز، وهي منصة معلومات عن المعادن الثمينة مقرها لندن إن "الصين تقود بلا شك سعر الذهب. لقد تحول تدفق الذهب إلى الصين من الحالة الصلبة إلى السيل المطلق". وارتفع استهلاك الذهب في البلاد بنسبة 6% في الربع الأول مقارنة بالعام السابق، وفقا لجمعية الذهب الصينية. وجاء ذلك في أعقاب زيادة بنسبة 9% العام الماضي.

وأصبح الاستثمار في الذهب أكثر جاذبية مع تراجع جاذبية الاستثمارات التقليدية في البلاد، حيث أرعبت أزمة القطاع العقاري الصيني أغلب الأسر ممن اعتادوا توجيه مدخراتهم إليه، ولم تستعد أسواق الأسهم ثقة المستثمرين بعد انصراف أغلب الصناديق الأميركية عنها. ومن ناحية أخرى، انهارت سلسلة من صناديق الاستثمار الكبيرة التي كانت تستهدف الأثرياء بعد رهانات فاشلة على العقارات. ومع وجود عدد قليل من البدائل الفضلى، تدفقت الأموال إلى الصناديق الصينية التي تتاجر في الذهب، ولجأ العديد من الشباب إلى جمع حبوب الذهب بكميات كبيرة، بالإضافة إلى المشتريات المعتادة.

ويقوم التجار عبر الإنترنت ببيع حبوب الذهب بقوة، على موقع تاوباو التابع لشركة علي بابا، إحدى أكبر منصات التجارة الإلكترونية في الصين، حيث باع أحد التجار حبوب الذهب في بث مباشر، كان مزيجاً من شبكة التسوق المنزلية وأمازون، وقال إن شراء حبوب الذهب كان "مثل التسوق، ولكنه استثمار". ومع شعورهن بأن العالم أصبح أكثر فوضوية، توجهت سيدات الصين إلى شرائه، مراهنات على أن أسعار الذهب سترتفع فقط، في وقت يستمر فيه الاقتصاد الصيني في المعاناة، ولا يبدو أن العقارات والأسهم قادرة حتى الآن على جذب الاستثمارات كما كانت تفعل في السنوات السابقة.

وكان البنك المركزي الصيني هو المشتري الرئيسي الآخر للذهب في البلاد، حيث أظهرت تقارير حكومية في شهر مارس/آذار زيادة مكون المعدن النفيس ضمن احتياطياته للشهر السابع عشر على التوالي. والعام الماضي، اشترى البنك كمية من الذهب أكبر من أي بنك مركزي آخر في العالم، مضيفاً إلى احتياطياته من المعدن بأكثر مما فعل في ما يقرب من خمسة عقود. وتشتري بكين الذهب لتنويع احتياطيات النقد الأجنبي لديها وتقليل اعتمادها على الدولار الأميركي، الذي يعتبر منذ فترة طويلة أهم عملة للاحتفاظ بها ضمن تلك الاحتياطيات. وقلصت الصين حيازاتها من سندات الخزانة الأميركية على مدار كثر من عشر سنوات. وبنهاية مارس/آذار، كان لدى الصين ما قيمته حوالي 775 مليار دولار من الديون الأميركية، بانخفاض من حوالي 1.1 تريليون دولار في عام 2021.

وقال جوان تاو، كبير الاقتصاديين العالميين في شركة BOC International في بكين، إنه عندما زادت الصين حيازاتها من الذهب في الماضي، اشترت محليًا باستخدام العملة الصينية الرنمينبي. لكنه قال إن البنك يستخدم هذه المرة العملات الأجنبية لشراء الذهب، مما يقلل بشكل فعال من تعرضه للدولار الأميركي والعملات الأخرى. وتوجه العديد من البنوك المركزية، بما في ذلك الصين، للذهب في أعقاب الخطوة الأميركية المفاجئة بتجميد ممتلكات روسيا من الدولار بموجب العقوبات المفروضة على موسكو. وفرض حلفاء أميركيون آخرون قيودا مماثلة على ممتلكات الروس بعملاتهم.

وقال تاو، في مذكرة حديثة، إن العقوبات هزت "أساس الثقة في النظام النقدي الدولي الحالي" وأجبرت البنوك المركزية على حماية احتياطياتها بحيازات أكثر تنوعا. وأردف: "يمكننا أن نرى أن موجة صعود الذهب هذه قد تكون مختلفة عن الماضي". وعلى الرغم من أن بكين كانت تشتري الذهب، إلا أن المعدن لا يمثل سوى أقل من 5% من احتياطياتها من النقد الأجنبي. ومن حيث النسبة المئوية من الاحتياطي، تمتلك الهند ما يقرب من ضعف ما تمتلكه الصين. وقد أدى الجمع بين عمليات شراء التجزئة القوية من المستهلكين الصينيين ومشتريات البنك المركزي إلى جذب اهتمام المضاربين في الأسواق في شنغهاي الذين يراهنون على استمرار هذا التوجه. وارتفع متوسط حجم تداول الذهب في بورصة شنغهاي للعقود الآجلة بأكثر من الضعف في إبريل/نيسان مقارنة بالعام السابق. وقال السيد نورمان من ميتالز ديلي لصحيفة نيويورك تايمز: "إنهم يسبحون مع المد"، والصين تهيمن الآن على سوق الذهب".

المساهمون