محمد المهدي بنسعيد لـ"العربي الجديد": لسنا في صراع مع الجزائر

الوزير المغربي محمد المهدي بنسعيد لـ"العربي الجديد": لسنا في صراع مع الجزائر

19 مايو 2024
محمد المهدي بنسعيد: الحكومة المغربية تنفذ وعودها ولا تعتمد خطاباً شعبوياً (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- محمد المهدي بنسعيد يبرز التقدم الحكومي في دعم الطبقات المتوسطة والفقيرة، الصحة، والحماية الاجتماعية بالمغرب، مع التأكيد على التحديات مثل البطالة وتأثيرات أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
- ينفي بنسعيد وجود صراع مع الجزائر، مؤكدًا على دفاع المغرب عن أراضيه وقيمه، ويشير إلى القيادة الجماعية الثلاثية بحزب الأصالة والمعاصرة كخيار استراتيجي.
- يؤكد على التطورات القانونية في حرية الصحافة بالمغرب ويتطلع لاستغلال تنظيم كأس الأمم الأفريقية 2025 وكأس العالم 2030 لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية.

الحكومة حققت إنجازات وخطابها براغماتي

القيادة الجماعية في "الأصالة والمعاصرة" خيار استراتيجي

قال وزير الشباب والثقافة والتواصل (الإعلام) المغربي، محمد المهدي بنسعيد، إن الحكومة المغربية تتبنّى خطاباً براغماتياً في تعاملها مع الإشكالات المطروحة أمامها، وأنها حقّقت، حتى منتصف ولابتها، إنجازات عديدة، مع بقاء تحدّيات قائمة. وأفاد في حوار مع "العربي الجديد" في الرباط بأن بلاده ليست في صراع مع الجزائر، وإنها تدافع فقط عن أراضيها وتاريخها وقيمها. وأوضح الوزير، عضو القيادة الجماعية الثلاثية في حزب الأصالة والمعاصرة، الشريك في الأغلبية الحكومية، إن الأخذ بهذه الصيغة القيادية خيار استراتيجي للحزب، وليس تعبيراً عن أزمة داخلية، وقال إن الأمور تسير في الحزب سيراً صحيحاً. واعتبر أن الصحافيين المغاربة عندما يخطئون يخضعون، كما عموم المواطنين المغاربة، إلى ما تنص عليه القوانين. وتالياً نص الحوار:

عرض رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، أخيراً، حصيلة نصف ولاية حكومته، متحدثاً عن إنجازات، فيما قلّلت المعارضة مما تحقق، على اعتبار أنكم لم تفوا بالوعود التي قدّمتوها، خصوصاً على مستوى محاربة البطالة ومعدل النمو. كيف تنظرون إلى هذا الموقف؟

صحيحٌ أن هناك تحدّيات كبرى في المغرب، من قبيل التشغيل والاستثمار، ما زالت قائمة، إلا أن الحكومة تمكّنت في نصف الولاية (نحو 30 شهراً) من تحقيق إنجازاتٍ عديدة من قبيل الدعم المباشر الموجّه إلى الطبقتين المتوسّطة والفقيرة، وكذلك ورش الصحة والحماية الاجتماعية والدعم المباشر للسكن والرفع من أجور الموظفين وتعميم نظام التأمين الإجباري وغيرها من الإنجازات.
يتعيّن تأكيد أن الحكومة الحالية حققت ذلك ولم تُنه ولايتها بعد. وعلى الرغم مما عاشته من ظرفية خاصة، وما واجهته من مخلفات أزمة وباء كورونا والحرب الروسية الأوكرانية بآثارها السلبية، زيادة على مخلفات زلزال إقليم الحوز الذي ضرب البلاد في سبتمبر/ أيلول الماضي وتأثيراته، وما طرأ من تأثيراتٍ أخيراً للحرب في غزّة، إلا أنه يمكن القول إن الحكومة المغربية الحالية تواجه تحدّيات تخصّ الشغل والاستثمارات.
وعموماً، لا يعني هذا القول أننا نتذرّع أو نختبئ وراء الإشكالات التي تواجهنا في الحكومة، بيد أن الحكومة تنفذ وعودها ولا تعتمد خطاباً شعبوياً، وإنما تتبنّى خطاباً براغماتياً يتجاوب مع الإشكالات المطروحة اليوم. والأكيد أنها ستولي بالغ الأهمية بالتحدّيات المتعلقة بالشغل والاستثمار فيما تبقى من ولايتها. التناغم الذي نعيشه اليوم داخل مكوّنات الأغلبية الحكومية أمر إيجابي جداً، على اعتبار أنه يعين على تيسير تفعيل السياسات العمومية، من دون أن تطرح إشكالات، أو أن تصطدم بالأنا الحزبية، بل على العكس من ذلك، هناك تجانس من أجل تحقيق المصلحة العامة.

تفيد مقولة شائعة بأن الحكم صعب والمعارضة سهلة. هل اختبرتم هذا، في حزب الأصالة والمعاصرة، والذي ظل طويلاً في المعارضة، ثم أصبح حالياً من الأغلبية الحكومية؟

سأجيب بنعم ولا في الوقت نفسه، فالوعود التي تُقدّم للمغاربة، حينما يتولّى حزبٌ ما المسؤولية الحكومية يصطدم بحقيقة أن تدبير الشأن الحكومي والتنفيذ لا يكونان بالشكل الذي نتمنّاه بوصفنا فاعلين سياسيين.

هناك حديث عن تعديل حكومي في الأيام المقبلة. هل هو وارد؟

يجري العمل بالتعديلات الحكومية  في كل الدول، وجرت العادة في المغرب أن يتم تعديل عند منتصف الولاية الحكومية، ويكون أحياناً لتصحيح بعض الأشياء. وهو من اختصاص جلالة الملك، وباقتراح من رئيس الحكومة. وحينما يتم الشروع في التعديل الحكومي سيفتح رئيس الحكومة الحوار مع الأحزاب المواكبة للأغلبية. وإلى حد الساعة، أؤكد لكم أنه لم يتواصل معنا في حزب الأصالة والمعاصرة بخصوص هذا الموضوع.

تعيش العلاقات المغربية الجزائرية في قطيعة حادّة غير مسبوقة في تاريخ البلدين الجارين. هل لديكم، في الحكومة، تصوّر لحلّ هذه الأزمة؟

دعني، أولاً، أوكّد لكم أنه حرصنا كان دائماً وما زال من أعلى سلطة في المغرب على انتهاج قيم حسن الجوار مع الجارة الجزائر، والتأكيد أن المغرب لن يكون أبداً مصدر شرّ أو سوء تجاهها على اعتبار أن حسن التعامل مع الجار يحظى بأهمية كبيرة في قيم المغاربة. ولكن، مع كامل الأسف، نرى تصرّفات غريبة، قد نتفهم بعضها في المجال السياسي، إذ قد تصدر لأسباب سياسوية، لكن المثير اليوم، أنها أصبحت تتعدى ذلك إلى المجالين الثقافي والرياضي وغيرهما، كما جرى أخيراً في المباراة التي جمعت في إطار نصف نهائي كأس "الكاف" اتحاد العاصمة الجزائري ونهضة بركان المغربي. على كلٍّ، أؤمن بأن يوماً ما سيأتي يدرك فيه الشعب الجزائري أن الشعب المغربي شقيق له، وأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا. وإلى ذلك الحين، نضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على الصبر.

هل هذا يعني أنه لا مجال لاقتراح أي صيغة لحلّ الأزمة بين البلدين الجارين؟

نحن ندافع عن بلادنا وأراضينا وتاريخنا وقيمنا، ونعتقد أن الأفق مفتوح. نحن لا نتصارع مع الجزائريين، ولسنا في صراع مع الجزائر. وما يحدُث هو العكس، ففي وقتٍ يصرّح فيه الخطاب الرسمي في الجزائر أنهم غير معنيين بقضية الصحراء المغربية مثلاً، نجد أن واقع الحرب التي يخوضونها ضد المغرب وعلى كل الواجهات تفنّد ذلك.

ما موقفكم من الاجتماع الثلاثي الذي جرى أخيراً في تونس، وسرّبت أوساط جزائرية أنه يهدف إلى إيجاد تكتل بديل لاتحاد المغرب العربي؟

هو كلام فضفاض وغير معقول، ويعطّل، مع كامل الأسف، التنمية في المنطقة. التاريخ واضح والمغرب جزء من منطقته.

دخل حزب الأصالة والمعاصرة منذ مؤتمره أخيراً في فبراير/ شباط الماضي، مرحلة جديدة بعد أن اختار قيادة ثلاثية جماعية تضمّ شخصكم لتسيير دفّته، في سابقة في التاريخ السياسي للمغرب الحديث. لماذا لجأتم إلى هذا الخيار؟

لقد اعتبرنا أنه آن الأوان مرّة أخرى لربط الثقة بين المؤسّسات والمواطنين، وفكّ الارتباط مع فكرة الزعيم، والانتقال من مرحلة الزعماء التي سادت في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي إلى مرحلة جديدة هي مرحلة المؤسسات. ونعتقد ايضاً أن انتظارات المغاربة تحتاج إلى أفكار وبرامج تقوم على مبدأ الاشتغال جماعياً أساسه النقاش الذي يكون مصدراً للأفكار ويدمج كل الأصوات. 

لكن هناك من يرى لجوء حزب الأصالة والمعاصرة إلى القيادة الجماعية دليلاً على وجود أزمة داخلية فيه؟

لو كانت لدينا في الحزب أزمة لتبيّنت، ولن نُخفيها. وأوضح أن القيادة الجماعية ليست ناتجة عن أزمة داخلية في "الأصالة والمعاصرة"، بل هي خيار استراتيجي يهدف إلى تجاوز شخصنة القيادة والتركيز على مشروع الحزب كله. كان هناك إجماع في المؤتمر الوطني الخامس الذي عُقد ما بين 9 و11 فبراير/ شباط الماضي في مدينة بوزنيقة، على فاطمة الزهراء المنصوري لتولي منصب الأمين العام، لكننا لم نذهب في اتجاه فكرة الشخص القائد، وإنما على العكس، ذهبنا مع مفهوم المؤسّسة. لقد ناقشنا القرار مطوّلاً، واعتبرنا أن من الضروري بعث رسالة جديدة إلى المواطنين المغاربة تفيد بأننا نتفهّم انتظاراتهم. كما أن إعادة الاعتبار للعمل السياسي تقع في صلب أولويات حزب الأصالة والمعاصرة، وهذا هو الهدف الأساس الذي من أجله جرى إقرار القيادة الجماعية، فضلاً عن أن الحزب يولي الأهمية البالغة لتخليق المشهد السياسي الوطني.

بعد نحو ثلاثة أشهر من بدء العمل بالقيادة الجماعية، هل تشعرون في "الأصالة والمعاصرة" أن الغاية التي من أجلها اختير هذا الشكل من القيادة بدأت بالتحقق؟

ما أود تأكيده هنا أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح. ومن خلال تجربة ثلاثة أشهر يمكن القول إن القرار مشترك لمؤسّسات حزب الأصالة والمعاصرة، وليس هناك هيمنة لفرد على الآخرين. نعتقد أننا كلما أشركنا كثيرين في صناعة القرار كان صائباً، كما أن مفهوم الديمقراطية يقوم على إشراك الجميع في اتخاذ القرارات.

أين تضع حزب الأصالة والمعاصرة اليوم إيديولوجياً؟

هو حزب وسط ديمقراطي اجتماعي، وليس ديمقراطياً اشتراكياً.

صار ملحوظاً العزوف الواسع في المغرب عن الحياة الحزبية، فبعدما كانت للأحزاب المغربية أدوار وفعالية، يسجل اليوم خفوتاً للحياة الحزبية أو تراجعها، هل تستشعرون هذا؟

في اعتقادي، العزوف عن الأحزاب أمر عادي جداً، وهو إشكالية ظاهرة في العالم، لا تقتصر على بلد بعينه، وترتبط بانهيار الإيديولوجيات، ونفوذ الشبكات الرقمية، وبروز أدوار لتكوينات وتشكيلات اجتماعية مدنية متعددة. وهذا حاصل في المغرب وغيره.

كيف تتعامل الحكومة المغربية مع الاستحقاقات التي يطرحها فوز المغرب بتنظيم كأس الأمم الأفريقية 2025 وكأس العالم 2030؟

لا نعتبرها استحقاقات رياضية فقط، بل هي محطة تنموية محضة، يهمنا أن نستغلها بشكل إيجابي على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. ومن خلال التجربة، تبرز طريقتان للتعامل مع هذه الاستحقاقات، من خلال أحد خيارين، رفع مديونية البلد، ما يفتح الأبواب مشرعة أمام الأزمة، كما حدث ذلك في دولٍ عديدة، منها دولة أفريقية، أو اعتبارها فرصة للتنمية. وأعتقد أن التحدي المطروح علينا في المغرب: كيف يمكن أن نستغل هذه الفرصة لتصبح تحدّياً تنموياً ولتطوير السياحة والاستثمارات.

كيف ترى، وأنت وزير للتواصل، واقع حرية الصحافة في المغرب مع استمرار سجن بعض الصحافيين؟

أعتقد أن هناك تطوّرات ملموسة في المغرب في ما يخص مهنة الصحافة على مستوى المجال القانوني. أما متابعة الصحافيين، فهم كباقي المواطنين يخضعون في حال أخطؤوا في حياتهم اليومية إلى ما تنصّ عليه القوانين الجاري بها العمل.

بطاقة تعريف

• عيّن محمد المهدي بنسعيد وزيراً للشباب والثقافة والتواصل في الحكومة المغربية برئاسة عزيز أخنوش في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021
• انضم إلى الحركة لكل الديمقراطيين في 2008، وهو عضو في المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة منذ 2009.
• انتُخب عضواً في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) في 2011. وكان عضواً ثم رئيساً للجنة الشؤون الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج في المجلس.
• اختير في المؤتمر العام لحزب الأصالة والمعاصرة في فبراير/ شباط 2024 عضواً في القيادة الجماعية الثلاثية في الحزب.

* أجرى الحوار من الرباط، رئيس تحرير "العربي الجديد"، الكاتب والصحافي معن البياري.

المساهمون