شهداء القطاع الطبي في غزة... إعدامات ميدانية وتعذيب حتى الموت

شهداء القطاع الطبي في غزة... إعدامات ميدانية وتعذيب حتى الموت

03 مايو 2024
تواصل طواقم غزة الطبية العمل رغم كل المخاطر (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- القطاع الطبي في غزة يتعرض لهجمات متعمدة من الاحتلال الإسرائيلي، مما يؤدي إلى استشهاد وإصابة المئات من الطواقم الطبية وحرمان السكان من الرعاية الصحية الضرورية.
- الطبيب عدنان البُرش، رئيس قسم العظام في مجمع الشفاء، استشهد تحت التعذيب بعد اعتقاله، مما أثار حزناً عميقاً في المجتمع الطبي وعائلته.
- استهداف الاحتلال للبنية التحتية الطبية والطواقم الطبية يعمق الأزمة الإنسانية في غزة، مع فقدان تخصصات نادرة وتدمير سيارات الإسعاف، مما يحرم السكان من الرعاية اللازمة.

يخيم حزن على القطاع الطبي في غزة بسبب استشهاد الطبيب عدنان البرش

عدد ضحايا الطواقم الطبية في القطاع منذ بداية العدوان 496 شهيداً

أصيب أكثر من 1500 آخرين من الطواقم الطبية واعتقل أكثر من 310

يتعمد الاحتلال الإسرائيلي تدمير المستشفيات والمراكز الصحية بقطاع غزة في نوع من العقاب الجماعي لسكان القطاع، وأدى ذلك إلى استشهاد وإصابة المئات من أفراد الطواقم الطبية.

أُبلغت عائلة البُرش في قطاع غزة التي كانت تبحث عن أي أخبار حول مصير ابنها الطبيب عدنان البُرش "50 سنة"، وهو أحد أشهر أطباء غزة، أنه استشهد داخل زنازين الاحتلال الإسرائيلي التي تنقل بين عدد منها مع آخرين من أفراد الطواقم الطبية المعتقلين، والذين خضعوا للتعذيب في محاولة مستمرة لنزع الاعترافات منهم على مدار أشهر.
وخلال الأشهر الماضية، حرصت عائلة البُرش على التواصل مع عائلات أسرى من الضفة الغربية، والأسرى المُفرج عنهم من قطاع غزة لمحاولة جمع معلومات عن حالة الطبيب عدنان، وعلموا أنه تعرض للضرب بالهراوات المعدنية والعصي الكهربائية، وصب الماء الساخن فوق رأسه، وتعريته وحرمانه من الطعام.
ويخيم الحزن على القطاع الطبي وعلى آلاف الغزيين حالياً، فالطبيب الشهيد عدنان البُرش كان يشغل منصب رئيس قسم العظام في مجمع الشفاء الطبي، وأشرف على علاج الآلاف من الغزيين، وإنقاذ أرواح الكثيرين أثناء مسيرته المهنية في العديد من مستشفيات قطاع غزة، من مجمع الشفاء إلى مجمع ناصر، والمستشفى الإندونيسي ومستشفى العودة.
اعتقل الاحتلال الطبيب البُرش في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي أثناء تواجده في مستشفى العودة مع مجموعة من الأطباء الذين صمدوا في المستشفى لرعاية عدد من المرضى الذين كانوا في أقسام العناية المركزة. ووفق ما تم إبلاغه لهيئة الشؤون المدنية الفلسطينية، فقد استشهد البرش في سجن عوفر المُقام على أراضي بلدة بيتونيا غرب مدينة رام الله، في 19 أبريل/نيسان الماضي، ولم يفرج الاحتلال عن جثمانه بعد.
وكانت آخر كلماته التي نشرها وهو على رأس عمله قبل أيام من اعتقاله: "نموت واقفين ولن نركع، ولا يبقى في الوادي إلا حجارته، ونحن حجارته". لكنه ترك ذكريات كثيرة للغزيين الذين يواصلون نشر قصص لهم مع الطبيب الشهيد الذي كان له دور في رعايتهم أو رعاية ذويهم.

قضى معظم شهداء الطواقم الطبية خلال قصف مستشفيات قطاع غزة

كان نجل شقيقه الصحافي أحمد البُرش يكرر الاطمئنان على عمه في الأيام الأخيرة التي سبقت اعتقاله، والتي كان يتنقل فيها بين مستشفيات شمالي القطاع، ويشير إلى أن عمه كان يتوقع إصابته أو استشهاده في أي لحظة بسبب الاستهداف الإسرائيلي للمستشفيات. يقول أحمد لـ"العربي الجديد": "كان عمي يعالج المرضى الذين يتعرضون لإصابات خطرة، وتولى علاج مئات من النساء والأطفال، وكان يشعر أنه سيكون من الشهداء، وأوصاني بدفنه إلى جوار والده ووالدته قائلاً: (ادفنوني وسط الحج والحجة). كان عمي شخصا اجتماعيا، ولديه أربعة أبناء وابنة واحدة".
يضيف: "تلقينا أخبارا قبل نحو شهر من طبيب أفرج عنه تؤكد أن وضع عمي صعب للغاية، ويتعرض لتعذيب شديد، وواصلنا ملاحقة الأخبار عبر الأسرى المفرج عنهم في الدفعات الأخيرة عبر معبر كرم أبو سالم، وكلهم كانوا يشيرون إلى صعوبة حالته الصحية بسبب التعذيب، وأنه كان يرد على جنود الاحتلال أثناء التعذيب مؤكداً أن مهنته إنسانية، وأنه يعالج أي شخص يأتي إلى المستشفى".
والطبيب الشهيد عدنان البُرش هو أصغر أشقائه التسعة، ونشأ في بلدة جباليا شمالي قطاع غزة، وعاشّ منذ صغره يتيم الأب، واعتنى به أشقاؤه حتى حقق حلمه وأصبح طبيباً، ثم حصل على درجة الدكتوراه في طب العظام من الأردن، وقد مثل فلسطين في محافل ومؤتمرات دولية رغم أن الاحتلال منعه مراراً من المشاركة في مؤتمرات طبية دولية كان يتلقى دعوات شخصية لحضورها، وتمثيل الجانب الطبي في قطاع غزة المحاصر.

الصورة
استشهد العديد من أفراد الطواقم الطبية أثناء اقتحام مجمع الشفاء (داود أبو القص/الأناضول)
استشهد العديد من أفراد الطواقم الطبية أثناء اقتحام مجمع الشفاء (داود أبو القص/الأناضول)

ويذكر أحمد البُرش أنه يستمع منذ طفولته إلى قصة نجاح عمه الذي أصبح طبيباً بارزاً، والذي قرر التخصص في طب العظام بعد ملاحقة الاحتلال له عندما كان في نهاية المرحلة الإعدادية في ثمانينات القرن الماضي، وسقطَّ حينها عن حائط المدرسة أثناء هروبه من الجنود، ما أدى لإصابته بكسورِ في أنحاء جسده، ليقرر أن يصبح طبيب عظام بعد أن واجه صعوبات في العلاج.
تنتظر عائلة البُرش استلام جثمان ابنها لدفنه، وهم في انتظار رد الصليب الأحمر الدولي الذي خاطبوه بهذا الشأن، ويدركون احتمال تأخير تسلم الجثمان بشكلٍ متعمد. فيما نعت الطواقم الطبية الشهيد، مشددين على أنه كان على رأس عمله طوال العدوان الإسرائيلي الحالي، وخلال مرات العدوان السابقة.
يقول طبيب الطوارئ محمد نعيم، وهو أحد أصدقاء الشهيد البرش، إنه انتهى قبل ساعات من اعتقاله من إجراء عملية جراحية معقدة، وإنه كان واحداً من أبرز الأطباء الفلسطينيين، وأجرى الكثير من العمليات الجراحية الصعبة، ومن بينها عمليات لأشخاص تعرضوا لتداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي أسلحة محرمة دولياً.
يضيف نعيم لـ"العربي الجديد": "تعرض الطبيب عدنان البرش إلى استهدافات مباشرة في العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة، ولم تكن هذه المرة الأولى، فقد كان صوتاً فلسطينياً مسموعاً لدى أطباء العالم، وكان على تواصل مع منظمات دولية، لذا تعمد الاحتلال تعذيبه لنزع أي معلومات منه، ثم قاموا بقتله حين فشلوا في إجباره على الاعتراف بما يريدون".

الصورة
تكرر استهداف مجمع ناصر الطبي (بلال خالد/الأناضول)
تكرر استهداف مجمع ناصر الطبي (بلال خالد/الأناضول)

ونعت وزارة الصحة في قطاع غزة استشهاد الطبيب البرش، مشيرة إلى بلغ عدد ضحايا الطواقم الطبية في قطاع غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي 496 شهيداً، بعضهم من أصحاب الاختصاصات النادرة التي يشهد القطاع نقصاً كبيراً فيها بسبب ظروف الحصار المتواصل منذ أكثر من 17 عاماً، كما أصيب أكثر من 1500 آخرين من الطواقم الطبية، إضافة إلى اعتقال أكثر من 310، وتدمير أكثر من 126 سيارة إسعاف.
في مارس/آذار الماضي، استشهد أخصائي العلاج الطبيعي عبد الله أبو رجلة (40 سنة) في قصف أصاب منزل والد زوجته في مخيم النصيرات، ويشير شقيقه عيد أبو رجلة إلى أنه كان يتابع العديد من الحالات المرضية في مراكز طبية عدة بشكلٍ يومي، ولا يحصل على راحة أبداً، كما كان يتابع حالات مرضية متعددة بشكلٍ تطوعي داخل منازل المخيم.
استشهد الطبيب أبو رجلة مع زوجته، وترك ثلاثة أبناء تم إنقاذهم من تحت الأنقاض، ويقول شقيقه لـ"العربي الجديد": "كان شقيقي يعمل بمعدل 12 ساعة يومياً، يقضي معظمها في المرور على الأشخاص المسنين غير القادرين على الوصول إلى المرافق الصحية في ظل ظروف العدوان، ومع حزني الشديد على فقدهم، أدرك كأخصائي تحاليل طبية أنه من الصعب خسارة المتخصصين أمثاله خلال العدوان، وأدرك كيف سيؤثر فقدان أطباء التخصصات الطبية النادرة على مستقبل القطاع الطبي كله".
وقضى غالبية الشهداء من الطواقم الطبية خلال القصف الإسرائيلي الذي استهدف المراكز الصحية والمستشفيات، كما استشهد بعضهم في الإعدامات الميدانية خلال اقتحام المستشفيات نتيجة عدم استجابتهم لأوامر جيش الاحتلال بالمغادرة، حتى لا يعرضوا حياة المرضى والمصابين للخطر، وخصوصاً خلال اقتحام مجمع الشفاء الطبي ومجمع ناصر الطبي، إلى جانب شهداء التعذيب الذين كان آخرهم الطبيب عدنان البرش.

كما استهدف الاحتلال عشرات من الممرضين الذين تواجدوا في المستشفيات للقيام بعملهم، وكان من بينهم الممرض محمد حسين (33 سنة)، والذي استشهد بداخل قسم الجراحات التخصصية في مجمع الشفاء الطبي، ولم تعرف زوجته التي نزحت مع طفله شيئاً عن مصيره سوى بعد أسبوعين من استشهاده، وقد تبين أنه تعرض للتعذيب قبل إعدامه ميدانياً.
تقول مروى حسين زوجة الشهيد لـ"العربي الجديد": "تم تجريد زوجي من ملابسه الطبية، وتعرض للتعذيب قبل إعدامه، وغمروا جسده بالرمال، وعرفنا باستشهاده بعد تنقيب طواقم الدفاع المدني  عن الجثامين في المنطقة. لقد طلب مني النزوح إلى الجنوب بعد سماعنا أصوات مكبرات الصوت التي يطالب فيها الاحتلال الجميع بالمغادرة، وهو لم يرغب في النزوح معنا حتى لا يترك المرضى والمصابين، وكانت آخر كلماته لي: (اللي كاتبه الله سيحصل)".
تضيف: "لا أعرف تفاصيل الساعات الأخيرة من حياة زوجي لأن جميع من كانوا يرافقونه قضوا شهداء أيضاً، وقد تعمد الاحتلال قتل جميع من كانوا في القسم، وعندما تلقيت الخبر شعرت بحزن عميق، فلم يعد لي أحد أنا وطفله البالغ ثلاث سنوات، والذي سيعيش يتيماً، لكني سأحرص على بقاء ذكرى والده الشهيد في قلبه وعقله".

المساهمون